فصل: باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا

صباحاً 9 :43
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء عند الوضوء‏)‏ ذكر فيه حديث أبي موسى قال ‏"‏ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ به، ثم رفع يديه فقال‏:‏ اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ‏"‏ الحديث، ذكره مختصرا، وقد تقدم بطوله في المغازي في ‏"‏ باب غزوة أوطاس‏"‏‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ إِذَا عَلَا عَقَبَةً

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء إذا علا عقبة‏)‏ كذا ترجم بالدعاء، وأورد في الحديث التكبير؛ وكأنه أخذه من قوله في الحديث ‏"‏ إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ‏"‏ فسمى التكبير دعاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ أَوْ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أيوب‏)‏ هو السختياني، وأبو عثمان هو النهدي‏.‏

قوله ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر‏)‏ لم أقف على تعيينه‏.‏

قوله ‏(‏اربعوا‏)‏ بهمزة وصل مكسورة ثم موحدة مفتوحة أي ارفقوا ولا تجهدوا أنفسكم‏.‏

قوله ‏(‏فإنكم لا تدعون أصم‏)‏ يأتي بيانه في التوحيد‏.‏

قوله ‏(‏كنز‏)‏ سمى هذه الكلمة كنزا لأنها كالكنز في نفاسته وصيانته عن أعين الناس‏.‏

قوله ‏(‏أو قال ألا أدلك على كلمة هي كنز إلخ‏)‏ شك من الراوي هل قال ‏"‏ قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة ‏"‏ أو قال ‏"‏ ألا أدلك إلخ ‏"‏ وسيأتي في كتاب القدر من رواية خالد الحذاء عن أبي عثمان بلفظ ‏"‏ ثم قال يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة إلخ ‏"‏ وسيأتي في أواخر كتاب الدعوات أيضا من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان بلفظ ‏"‏ ثم قال يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ألا أدلك إلخ ‏"‏ ولم يتردد‏.‏

ووقع في هذين الطريقين بيان سبب قوله ‏"‏ إنكم لا تدعون أصم ‏"‏ فإن في رواية سليمان ‏"‏ فلما علا عليها رجل نادى فرفع صوته ‏"‏ وفي رواية خالد ‏"‏ فجعلنا لا نصعد شرفا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير ‏"‏ ووقع في بعض النسخ ‏"‏ أصما ‏"‏ وكأنه لمناسبة ‏"‏ غائبا ‏"‏ وقوله ‏"‏ بصيرا ‏"‏ ووقع في تلك الرواية ‏"‏ قريبا ‏"‏ ويأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب القدر إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله ‏"‏لا حول ‏"‏ يجوز أن يكون في موضع جر على البدل من قوله ‏"‏ على كنز ‏"‏ وفي موضع نصب بتقدير أعني، وفي موضع رفع بتقدير هو‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا

فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء إذا هبط واديا فيه حديث جابر‏)‏ كذا ثبت عند المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما، والمراد بحديث جابر ما تقدم في الجهاد وفي ‏"‏ باب التسبيح إذا هبط واديا ‏"‏ من حديثه بلفظ ‏"‏ كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا‏"‏‏.‏

وقال بعده ‏"‏ باب التكبير إذا علا شرفا ‏"‏ وأورد فيه حديث جابر أيضا لكن بلفظ ‏"‏ وإذا تصوبنا ‏"‏ بدل ‏"‏ نزلنا ‏"‏ والتصويب الانحدار وقد ورد بلفظ ‏"‏ هبطنا ‏"‏ في هذا الحديث عند النسائي وابن خزيمة وأشرت إلى شرحه هناك، ومناسبة التكبير عند الصعود إلى المكان المرتفع أن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار الكبرياء، فشرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك فيزيده من فضله، ومناسبة التسبيح عند الهبوط لكون المكان المنخفض محل ضيق فيشرع فيه التسبيح لأنه من أسباب الفرج، كما وقع في قصة يونس عليه السلام حين سبح في الظلمات فنجى من الغم

*3*باب الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ رَجَعَ

فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع، فيه يحيى بن أبي إسحاق عن أنس‏)‏ كذا وقع في رواية الحموي عن الفربري، ومثله في رواية أبي زيد المروزي عنه لكن بالواو العاطفة بدل لفظ ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

والمراد بحديث يحيى بن أبي إسحاق فيما أظن الحديث الذي أوله ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر وقد أردف صفية، فلما كان ببعض الطريق عثرت الناقة ‏"‏ فإن في آخره ‏"‏ فلما أشرفنا على المدينة قال‏:‏ آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون‏.‏

فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة ‏"‏ وقد تقدم موصولا في أواخر الجهاد وفي الأدب وفي أواخر اللباس وشرحته هناك‏.‏

إلا الكلام الأخير هنا فوعدت بشرحه هنا‏.‏

وإسماعيل في الحديث الموصول هو ابن أبي أويس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏كان إذا قفل‏)‏ بقاف ثم فاء أي رجع وزنه ومعناه، ووقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر في أوله من الزيادة ‏"‏ كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال‏:‏ سبحان الذي سخر لنا هذا ‏"‏ فذكر الحديث إلى أن قال ‏"‏ وإذا رجع قالهن وزاد‏:‏ آيبون تائبون ‏"‏ الحديث، وإلى هذه الزيادة أشار المصنف في الترجمة بقوله ‏"‏ إذا أراد سفرا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏من غزو أو حج أو عمرة‏)‏ ظاهره اختصاص ذلك بهذه الأمور الثلاث، وليس الحكم كذلك عند الجمهور، بل يشرع قول ذلك في كل سفر إذا كان سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم، لما يشمل الجميع من اسم الطاعة، وقيل يتعدى أيضا إلى المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه فعل ما يحصل له الثواب، وقيل يشرع في سفر المعصية أيضا لأن مرتكبها أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره، وهذا التعليل متعقب، لأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع من سافر في مباح ولا في معصية من الإكثار من ذكر الله وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص، فذهب قوم إلى الاختصاص لكونها عبادات مخصوصة شرع لها ذكر مخصوص فتختص به كالذكر المأثور عقب الأذان وعقب الصلاة، وإنما اقتصر الصحابي على الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ولهذا ترجم بالسفر، على أنه تعرض لما دل عليه الظاهر فترجم في أواخر أبواب العمرة ‏"‏ ما يقول إذا رجع من الغزو أو الحج أو العمرة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏يكبر على كل شرف‏)‏ بفتح المعجمة والراء بعدها فاء هو المكان العالي، ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع بلفظ ‏"‏ إذا أوفى ‏"‏ أي ارتفع ‏"‏ على ثنية ‏"‏ بمثلثة ثم نون ثم تحتانية ثقيلة هي العقبة ‏"‏ أو فدفد ‏"‏ بفتح الفاء بعدها دال مهملة ثم فاء ثم دال والأشهر تفسيره بالمكان المرتفع وقيل هو الأرض المستوية وقيل الفلاة الخالية من شجر وغيره وقيل غليظ الأودية ذات الحصى‏.‏

قوله ‏(‏ثم يقول لا إله إلا الله إلخ‏)‏ يحتمل أنه كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع، ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعا أكمل الذكر المذكور فيه، وإلا فإذا هبط سبح كما دل عليه حديث جابر‏.‏

ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط، قال القرطبي‏:‏ وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المتفرد بإيجاد جميع الموجودات، وأنه المعبود في جميع الأماكن‏.‏

قوله ‏(‏آيبون‏)‏ جمع آيب أي راجع وزنه ومعناه، وهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير نحن آيبون، وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل، بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة المخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكورة، وقوله تائبون فيه إشارة إلى التقصير في العبادة‏.‏

وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع أو تعليما لأمته، أو المراد أمته كما تقدم تقريره‏.‏

وقد تستعمل التوبة لإرادة الاستمرار على الطاعة فيكون المراد أن لا يقع منهم ذنب‏.‏

قوله ‏(‏صدق الله وعده‏)‏ أي فيما وعد به من إظهار دينه في قوله ‏(‏وعدكم الله مغانم كثيرة‏)‏ وقوله ‏(‏وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض‏)‏ الآية‏.‏

وهذا في سفر الغزو ومناسبته لسفر الحج والعمرة قوله تعالى ‏(‏لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏ونصر عبده‏)‏ يريد نفسه‏.‏

قوله ‏(‏وهزم الأحزاب وحده‏)‏ أي من غير فعل أحد من الآدميين‏.‏

واختلف في المراد بالأحزاب هنا فقيل هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا أي تجمعوا في غزوة الخندق ونزلت في شأنهم سورة الأحزاب، وقد مضى خبرهم مفصلا في كتاب المغازي‏.‏

وقيل المراد أعم من ذلك‏.‏

وقال النووي‏.‏

المشهور الأول، وقيل فيه نظر لأنه يتوقف على أن هذا الدعاء إنما شرع من بعد الخندق، والجواب أن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي خرج فيها بنفسه محصورة، والمطابق منها لذلك غزوة الخندق لظاهر قوله تعالى في سورة الأحزاب ‏(‏ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال‏)‏ وفيها قبل ذلك ‏(‏إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها‏)‏ الآية‏.‏

والأصل في الأحزاب أنه جمع حزب وهو القطعة المجتمعة من الناس، فاللام إما جنسية والمراد كل من تحزب من الكفار، وإما عهديه والمراد من تقدم وهو الأقرب، قال القرطبي‏:‏ ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء أي اللهم اهزم الأحزاب، والأول أظهر‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء للمتزوج‏)‏ فيه حديث أنس في تزويج عبد الرحمن بن عوف وحديث جابر في تزويجه الثيب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ مَهْيَمْ أَوْ مَهْ قَالَ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس في تزويج عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب النكاح، والمراد هنا قوله ‏"‏ بارك الله لك ‏"‏ وقوله ‏"‏ فقال مهيم أو مه ‏"‏ شك من الراوي، والمعتمد ما في الرواية المتقدمة وهو الجزم بالأول ومعناه ما حالك، ومه في هذه الرواية استفهامية انقلبت الألف هاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قُلْتُ ثَيِّبًا قَالَ هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ أَوْ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ قُلْتُ هَلَكَ أَبِي فَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقُلْ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ

الشرح‏:‏

حديث جابر في تزويجه الثيب وفيه ‏"‏ هلا جارية تلاعبها ‏"‏ وقد تقدم شرحه في النكاح، والمراد منه قوله فيه ‏"‏ بارك الله عليك ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ تزوجت يا جابر قلت نعم، قال بكرا أم ثيبا ‏"‏ انتصب على حذف فعل تقديره أتزوجت، وقوله في الجواب ‏"‏ قلت ثيب ‏"‏ بالرفع على أن التقدير مثلا التي تزوجتها ثيب، قيل وكان الأحسن النصب على نسق الأول أي تزوجت ثيبا‏.‏

قلت‏:‏ ولا يمتنع أن يكون منصوبا فكتب بغير ألف على تلك اللغة، وقوله فيه ‏"‏ أو تضاحكها ‏"‏ شك من الراوي ‏"‏ وهو يعين أحد الاحتمالين في تلاعبها هل من اللعب أو من اللعاب ‏"‏ وقد تقدم بيانه عند شرحه‏.‏

قوله ‏(‏لم يقل ابن عيينة ومحمد بن مسلم عن عمرو بارك الله عليك‏)‏ أما رواية سفيان بن عيينة فتقدمت موصولة في المغازي وفي النفقات من طريقه، وأما رواية محمد بن مسلم وهو الطائفي فتقدم الكلام عليها في المغازي، ومناسبة قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ‏"‏ بارك الله لك ‏"‏ ولجابر ‏"‏ بارك الله عليك ‏"‏ أن المراد بالأول اختصاصه بالبركة في زوجته وبالثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدم مصلحة أخواته على حظ نفسه فعدل لأجلهن عن تزوج البكر مع كونها أرفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالبا‏.‏

*3*باب مَا يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يقول إذا أتى أهله‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس، وفي لفظه ما يقتضي أن القول المذكور يشرع عند إرادة الجماع فيرفع احتمال ظاهر الحديث أنه يشرع عند الشروع في الجماع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس، وفي لفظه ما يقتضي أن القول المذكور يشرع عند إرادة الجماع فيرفع احتمال ظاهر الحديث أنه يشرع عند الشروع في الجماع، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب النكاح‏.‏

وقوله ‏"‏لم يضره شيطان أبدا ‏"‏ أي لم يضر الولد المذكور بحيث يتمكن من إضراره في دينه أو بدنه، وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة‏)‏ كذا ذكره بلفظ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الشرح‏:‏

الحديث من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ ‏"‏ كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم آتنا إلى آخر الآية ‏"‏ وقد أورده في تفسير البقرة عن أبي معمر عن عبد الوارث بسنده هذا ولكن لفظه ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ وللباقي مثله وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن علية عن عبد العزيز قال ‏"‏ سأل قتادة أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر‏؟‏ قال‏:‏ اللهم آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره‏.‏

قال‏:‏ وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ‏"‏ وهذا الحديث سمعه شعبة من إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عن أنس مختصرا رواه عنه يحيى بن أبي بكير قال فلقيت إسماعيل فحدثني به فذكره كما عند مسلم، وأورده مسلم من طريق شعبة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ‏(‏ربنا آتنا في الدنيا حسنة‏)‏ الآية‏.‏

وهذا مطابق للترجمة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي نعيم حدثنا عبد السلام أبو طالوت ‏"‏ كنت عند أنس فقال له ثابت‏:‏ إن إخوانك يسألونك أن تدعو لهم، فقال‏:‏ اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فذكر القصة وفيها‏:‏ إذا آتاكم الله ذلك فقد آتاكم الخير كله ‏"‏ قال عياض إنما كان يكثر الدعاء بهذه الآية لجمعها معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة، قال‏:‏ والحسنة عندهم هاهنا النعمة، فسأل نعيم الدنيا والآخرة والوقاية من العذاب، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بذلك ودوامه‏.‏

قلت قد اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة، فعن الحسن قال‏:‏ هي العلم والعبادة في الدنيا أخرجه أبي حاتم بسند صحيح، وعنه بسند ضعيف‏:‏ الرزق الطيب والعلم النافع، وفي الآخرة الجنة‏.‏

وتفسير الحسنة في الآخرة بالجنة نقله ابن أبي حاتم أيضا عن السدي ومجاهد وإسماعيل بن أبي خالد ومقاتل بن حيان، وعن ابن الزبير يعملون في دنياهم لدنياهم وآخرتهم، وعن قتادة هي العافية في الدنيا والآخرة، وعن محمد بن كعب القرظي الزوجة الصالحة من الحسنات ونحوه عن يزيد بن أبي مالك‏.‏

وأخرج ابن المنذر من طريق سفيان الثوري قال‏:‏ الحسنة في الدنيا الرزق الطيب والعلم وفي الآخرة الجنة‏.‏

ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر قال‏:‏ الحسنة في الدنيا المنى، ومن طريق السدي، قال المال‏.‏

ونقل الثعلبي عن السدي ومقاتل‏:‏ حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح، وحسنة الآخرة المغفرة والثواب‏.‏

وعن عطية‏:‏ حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة‏.‏

وبسنده عن عوف قال‏:‏ من آتاه الله الإسلام والقرآن والأهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة‏.‏

ونقل الثعلبي عن سلف الصوفية أقوالا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا وفي الآخرة‏.‏

واقتصر الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي أنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء، وعذاب النار المرأة السوء‏.‏

وقال الشيخ عماد الدين ابن كثير‏:‏ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنئ وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة، وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات‏.‏

قلت‏:‏ أو العفو محضا، ومراده بقوله وتوابعه ما يلتحق به في الذكر لا ما يتبعه حقيقة‏.‏

*3*باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التعوذ من فتنة الدنيا‏)‏ تقدمت هذه الترجمة ضمن ترجمة وذلك قبل اثنى عشر بابا، وتقدم شرح الحديث أيضا‏.‏

*3*باب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تكرير الدعاء‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم طب، بضم الطاء أي سحر، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الطب‏.‏

وأخرج أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا ‏"‏ وتقدم في الاستئذان حديث أنس ‏"‏ كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْذِرٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ وَإِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ فِي مَاذَا قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ قَالَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي ذَرْوَانَ وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ قَالَتْ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَتْ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهَا عَنْ الْبِئْرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا أَخْرَجْتَهُ قَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا زَادَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا وَدَعَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏زاد عيسى بن يونس والليث بن سعد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا ودعا وساق الحديث‏)‏ كذا للأكثر، وسقط كل ذلك لأبي زيد المروزي، ورواية عيسى ابن يونس تقدمت موصولة في الطب مع شرح الحديث، وهو المطابق للترجمة بخلاف رواية أنس بن عياض التي أوردها في الباب فليس فيها تكرير الدعاء‏.‏

ووقع عند مسلم من رواية عبيد الله بن نمير عن هشام في هذا الحديث ‏"‏ فدعا ثم دعا ثم دعا‏"‏، وتقدم توجيه ذلك، وتقدم الكلام على طريق الليث في صفة إبليس من بدء الخلق

*3*باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء على المشركين‏)‏ كذا أطلق هنا، وقيده في الجهاد بالهزيمة والزلزلة وذكر فيه أحاديث‏:‏ الأول قوله ‏(‏وقال ابن مسعود‏:‏ اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف‏)‏ وهذا طرف من حديث تقدم موصولا في كتاب الاستسقاء وتقدم شرحه هناك‏.‏

الثاني قوله ‏(‏وقال‏:‏ اللهم عليك بأبي جهل‏)‏ أي بإهلاكه، وسقط هذا التعليق من رواية أبي زيد، وهو طرف من حديث لابن مسعود أيضا في قصة سلي الجزور التي ألقاها أشقى القوم على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم موصولا في الطهارة، وهو رابع الأحاديث المذكورة في الترجمة التي أشرت إليها آنفا في كتاب الجهاد‏.‏

الثالث قوله ‏(‏وقال ابن عمر‏:‏ دعا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقال‏:‏ اللهم العن فلانا وفلانا، حتى أنزل الله عز وجل‏:‏ ليس لك من الأمر شيء‏)‏ هذا أيضا طرف من حديث تقدم موصولا في غزوة أحد وفي تفسير آل عمران وتقدم شرحه وتسمية من أبهم من المدعو عليهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا ابن سلام‏)‏ هو محمد بن أبي خالد اسمه إسماعيل وابن أبي أوفى هو عبد الله‏.‏

قوله ‏(‏على الأحزاب‏)‏ تقدم المراد به قريبا، وسريع الحساب أي سريع فيه أو المعنى أن مجيء الحساب سريع، وتقدم شرح الحديث مستوفى في ‏"‏ باب لا تتمنوا لقاء العدو ‏"‏ من كتاب الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في الدعاء في القنوت للمستضعفين من المسلمين، وفيه ‏"‏ اللهم اشدد وطأتك على مضر ‏"‏ أي خذهم بشدة، وأصلها من الوطء بالقدم والمراد الإهلاك، لأن من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه والمراد بمضر القبيلة المشهورة التي منها جميع بطون قيس وقريش وغيرهم، وهو على حذف مضاف أي كفار مضر، وقد تقدم في الجهاد أنه يشرح في المغازي فلم يتهيأ ذلك فشرح في تفسير سورة النساء، وقوله فيه ‏"‏ اللهم أنج سلمة ابن هشام ‏"‏ نقل ابن التين عن الداودي أنه قال‏:‏ هو عم أبي جهل، قال‏:‏ فعلى هذا فاسم أبي جهل هشام واسم جده هشام‏.‏

قلت‏:‏ وهو خطأ من عدة أوجه فإن اسم أبي جهل عمرو واسم أبيه هشام، وسلمة أخوه بلا خلاف بين أهل الإخبار في ذلك، فلعله كان فيه ‏"‏ قاسم أبي أبي جهل ‏"‏ فيستقيم، لكن قوله وسلمة عم أبي جهل خطأ فيرجع الخطأ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ فَأُصِيبُوا فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ فَقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَيَقُولُ إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم القراء ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه في غزوة بئر معونة من كتاب المغازي، وقوله ‏"‏وجد ‏"‏ من الوجد بفتح ثم سكون أي حزن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكَ فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ فَقَالَتْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعِي أَنِّي أَرُدُّ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ فَأَقُولُ وَعَلَيْكُمْ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ كانت اليهود يسلمون‏"‏، وقد تقدم شرحه في كتاب الاستئذان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

حديث علي ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ‏"‏ وقد تقدم شرحه في تفسير سورة البقرة، وأشرت إلى اختلاف العلماء في الصلاة الوسطى وبلغته إلى عشرين قولا‏.‏

وقد تعسف أبو الحسن بن القصار في تأويله فقال‏:‏ إنما تسمية العصر وسطى يختص بذلك اليوم لأنهم شغلوا عن الظهر والعصر والمغرب فكانت العصر بالنسبة إلى الثلاثة التي شغلوا عنها وسطى، لا أن المراد بالوسطى تفسير ما وقع في سورة البقرة‏.‏

قلت‏:‏ وقوله في هذه الرواية ‏"‏ وهي صلاة العصر ‏"‏ جزم الكرماني بأنه مدرج في الخير من قول بعض رواته، وفيه نظر، فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس وفي المغازي من رواية روح بن عبادة وفي التفسير من رواية يزيد بن هارون ومن رواية يحيى بن سعيد كلهم عن هشام ولم يقع عنده ذكر صلاة العصر عن أحد منهم، إلا أنه وقع في المغازي ‏"‏ إلى أن غابت الشمس ‏"‏ وهو مشعر بأنها العصر، وأخرجه مسلم من رواية أبي أسامة ومن رواية المعتمر بن سليمان ومن رواية يحيى بن سعيد ثلاثتهم عن هشام كذلك ولكن بلفظ ‏"‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ‏"‏ وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود مثله سواء، وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعا ‏"‏ شغلونا عن صلاة العصر ‏"‏ وهو ظاهر في أنه من نفس الحديث، وقوله في السند ‏"‏ حدثنا الأنصاري ‏"‏ يريد محمد بن عبد الله بن المثنى القاضي وهو من شيوخ البخاري، ولكن ربما أخرج عنه بواسطة كالذي هنا، وقوله ‏"‏حدثنا هشام بن حسنان ‏"‏ يرجح قول من قال في الرواية التي مضت في الجهاد من طريق عيسى بن يونس ‏"‏ حدثنا هشام ‏"‏ أنه ابن حسان، وقد كنت ظننت أنه الدستوائي ورددت على الأصيلي حيث جزم بأنه ابن حسان ثم نقل تضعيف هشام بن حسان يروم رد الحديث فتعقبته هناك، ثم وقفت على هذه الرواية فرجعت عما ظننته، لكن أجيب الآن عن تضعيفه لهشام بأن هشام بن حسان وإن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه لكن لم يضعفه بذلك أحد مطلقا بل بقيد بعض شيوخه، واتفقوا على أنه ثبت في الشيخ الذي حدث عنه بحديث الباب وهو محمد بن سيرين، قال سعيد بن أبي عروبة‏:‏ ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام‏.‏

وقال يحيى القطان‏:‏ هشام بن حسان ثقة في محمد بن سيرين‏.‏

وقال أيضا‏:‏ هو أحب إلي في ابن سيرين من عاصم الأحوال وخالد الحذاء‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ كان يحيى القطان يضعف حديث هشام بن حسان عن عطاء وكان أصحابنا يثبتونه، قال‏:‏ وأما حديثه عن محمد بن سيرين فصحيح‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ كان ينفي حديثه عن عطاء وعن عكرمة وعن الحسن‏.‏

قلت‏:‏ قد قال أحمد ما يكاد ينكر عليه شيء إلا ووجدت غيره قد حدث به، إما أيوب وإما عوف‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ أحاديثه مستقيمة، ولم أر فيها شيئا منكرا انتهى‏.‏

وليس له في الصحيحين عن عطاء شيء، وله في البخاري شيء يسير عن عكرمة وتوبع عليه، والله أعلم‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الدعاء للمشركين‏)‏ تقدمت هذه الترجمة وحديث أبي هريرة فيها في كتاب الجهاد، لكن زاد ‏"‏ بالهدي ليتألفهم ‏"‏ وقد تقدم شرحه هناك، وذكرت وجه الجمع بين الترجمتين‏:‏ والدعاء على المشركين والدعاء للمشركين وأنه باعتبارين، وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين ودليله قوله تعالى ‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ قال‏:‏ والأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام، ويحتمل في التوفيق بينهما أن الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر، والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم، والتقييد بالهداية يرشد إلى أن المراد بالمغفرة في قوله في الحديث الآخر ‏"‏ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ‏"‏ العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها لأن ذنب الكفر لا يمحى، أو المراد بقوله ‏"‏ اغفر لهم ‏"‏ اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلموا، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت‏)‏ كذا ترجم ببعض الخبر، وهذا القدر منه يدخل فيه جميع ما اشتمل عليه لأن جميع ما ذكر فيه لا يخلو عن أحد الأمرين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الملك بن الصباح‏)‏ ماله في البخاري سوى هذا الموضع، وقد أورد طريق معاذ عن معاذ عن شعبة عقبه إشارة إلى أنه لم ينفرد به، وعكس مسلم فصدر بطريق معاذ ثم أتبعه بطريق عبد الملك هذا، قال أبو حاتم الرازي‏:‏ عبد الملك بن الصباح صالح‏.‏

قلت‏:‏ وهي من ألفاظ التوثيق لكنها من الرتبة الأخيرة عند ابن أبي حاتم‏.‏

وقال‏:‏ إن من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار، وعلى هذا فليس عبد الملك بن الصباح من شرط الصحيح، لكن اتفاق الشيخين على التخريج له يدل على أنه أرفع رتبة من ذلك، ولا سيما وقد تابعه معاذ بن معاذ وهو من الإثبات‏.‏

ووقع في الإرشاد للخليلي‏:‏ عبد الملك بن الصباح الصنعاني عن مالك متهم بسرقة الحديث حكاه الذهبي في الميزان‏.‏

وقال‏:‏ هو المسمعي مصري صدوق خرج له صاحب الصحيح انتهى‏.‏

والذي يظهر لي أنه غير المسمعي فإن الصنعاني إما من صنعاء اليمن أو صنعاء دمشق‏.‏

وهذا بصري قطعا فافترقا‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن أبي موسى‏)‏ هكذا جاء مبهما في رواية عبد الملك، وهكذا أورده الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان والقاسم بن زكريا كلاهما عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، وأخرجه ابن حبان في النوع الثاني عشر من القسم الخامس من صحيحه عن عمر بن محمد بن بشار ‏"‏ حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي ‏"‏ فذكره، وسماه معاذ عن شعبة فقال في روايته عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه‏.‏

قوله ‏(‏أنه كان يدعو بهذا الدعاء‏)‏ لم أر في شيء من طرقه محل الدعاء بذلك وقد وقع معظم آخره في حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في صلاة الليل، وقد تقدم بيانه قبل‏.‏

ووقع أيضا في حديث علي عند مسلم أنه كان يقوله في آخر الصلاة، واختلفت الرواية‏:‏ هل كان يقوله قبل السلام أو بعده، ففي رواية لمسلم ‏"‏ ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والسلام‏:‏ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أسرفت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ وإذا سلم قال‏:‏ اللهم اغفر لي ما قدمت إلخ ‏"‏ ويجمع بينهما بحمل الرواية الثانية على إرادة السلام لأن مخرج الطريقين واحد‏.‏

وأورده ابن حبان في صحيحه بلفظ ‏"‏ كان إذا فرغ من الصلاة وسلم ‏"‏ وهذا ظاهر في أنه بعد السلام، ويحتمل أنه كان يقول ذلك قبل السلام وبعده، وقد وقع في حديث ابن عباس نحو ذلك كما بينته عند شرحه‏.‏

قوله ‏(‏رب اغفر لي خطيئتي‏)‏ الخطيئة الذنب، ينال خطئ يخطئ، ويجوز تسهيل الهمزة فيقال خطية بالتشديد‏.‏

قوله ‏(‏وجهلي‏)‏ الجهل ضد العلم‏.‏

قوله ‏(‏وإسرافي في أمري كله‏)‏ الإسراف مجاوزة الحد في كل شيء‏.‏

قال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يتعلق بالإسراف فقط، ويحتمل أن يتعلق بجميع ما ذكر‏.‏

قوله ‏(‏اغفر لي خطاياي وعمدي‏)‏ وقع في رواية الكشميهني في طريق إسرائيل ‏"‏ خطئي ‏"‏ وكذا أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ بالسند الذي في الصحيح، وهو المناسب لذكر العمد ولكن جمهور الرواة على الأول، والخطايا جمع خطيئة، وعطف العمد عليها من عطف الخاص على العام، فإن الخطيئة أعم من أن تكون عن خطأ وعن عمد، أو هو من عطف أحد العامين على الآخر‏.‏

قوله ‏(‏وجهلي وجدي‏)‏ وقع في مسلم ‏"‏ اغفر لي هزلي وجدي ‏"‏ وهو أنسب، والجد بكسر الجيم ضد الهزل‏.‏

قوله ‏(‏وكل ذلك عندي‏)‏ أي موجود أو ممكن‏.‏

قوله ‏(‏اللهم اغفر لي ما قدمت إلخ‏)‏ تقدم سر المراد به وبيان تأويله‏.‏

قوله ‏(‏أنت المقدم وأنت المؤخر‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ اللهم أنت المقدم إلخ‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وأنت على كل شيء قدير‏)‏ في حديث علي الذي أشرت إليه قبل ‏"‏ لا إله إلا أنت ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ وأنت على كل شيء قدير ‏"‏ قال الطبري بعد أن استشكل صدور هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ ما حاصله‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم امتثل ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة إذا جاء نصر الله والفتح، قال‏:‏ وزعم قوم أن استغفاره عما يقع بطريق السهو والغفلة أو بطريق الاجتهاد مما لا يصادف ما في نفس الأمر، وتعقب بأنه لو كان كذلك للزم منه أن الأنبياء يؤاخذون بمثل ذلك فيكونون أشد حالا من أممهم‏.‏

وأجيب بالتزامه‏.‏

قال المحاسبي‏:‏ الملائكة والأنبياء أشد لله خوفا ممن دونهم، وخوفهم خوف إجلال وإعظام، واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق‏.‏

وقال عياض‏:‏ يحتمل أن يكون قوله ‏"‏ اغفر لي خطيئتي ‏"‏ وقوله ‏"‏ اغفر لي ما قدمت وما أخرت ‏"‏ على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه، لما علم أنه قد غفر له‏.‏

وقيل هو محمول على ما صدر من غفلة أو سهو‏.‏

وقيل على ما مضى قبل النبوة‏.‏

وقال قوم وقوع الصغيرة جائز منهم فيكون الاستغفار من ذلك‏.‏

وقيل هو مثل ما قال بعضهم في آية الفتح ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك‏)‏ أي من ذنب أبيك آدم ‏(‏وما تأخر‏)‏ أي من ذنوب أمتك‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ وقوع الخطيئة من الأنبياء جائز لأنهم مكلفون فيخافون وقوع ذلك ويتعوذون منه‏.‏

وقيل قاله على سبيل التواضع والخضوع لحق الربوبية ليقتدي به في ذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقال عبيد الله بن معاذ إلخ‏)‏ أخرجه مسلم بصريح التحديث فقال ‏"‏ حدثنا عبيد الله بن معاذ ‏"‏ وكذا قال الإسماعيلي ‏"‏ حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا عبيد الله بن معاذ به ‏"‏ وأشار الإسماعيلي إلى أن في السند علة أخرى فقال‏:‏ سمعت بعض الحفاظ يقول إن أبا إسحاق لم يسمع هذا الحديث من أبي بردة وإنما سمعه من سعيد بن أبي بردة عن أبيه‏.‏

قلت وهذا تعليل غير قادح، فإن شعبة كان لا يروي عن أحد من المدلسين إلا ما يتحقق أنه سمعه من شيخه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي بُرْدَةَ أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَايَ وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى وأبي بردة أحسبه عن أبي موسى الأشعري‏)‏ لم أجد طريق إسرائيل هذه في ‏"‏ مستخرج الإسماعيلي ‏"‏ وضاقت على أبي نعيم فأوردها من طريق البخاري ولم يستخرجها من وجه آخر، وأفاد الإسماعيلي أن شريكا وأشعث وقيس بن الربيع رووه عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه، وقد وقعت لي طريق إسرائيل من وجه آخر أخرجها أبو محمد بن صاعد في فوائده عن محمد بن عمرو الهروي عن عبيد الله بن عبد المجيد الذي أخرجه البخاري من طريقه بسنده وقال في روايته ‏"‏ عن أبي بكر وأبي بردة ابني أبي موسى عن أبيهما ‏"‏ ولم يشك وقال‏:‏ غريب من حديث أبي بكر بن أبي موسى‏.‏

قلت‏:‏ وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق وهو من أثبت الناس في حديث جده‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى الكرماني أن في بعض نسخ البخاري‏:‏ وقال عبد الله بن معاذ بالتكبير‏.‏

قلت‏:‏ وهو خطأ محض، وكذا حكى أن في بعض النسخ من طريق إسرائيل عبد الله بن عبد الحميد بتأخير الميم وهو خطأ أيضا، وهذا هو أبو علي الحنفي مشهور من رجال الصحيحين‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ نقل الكرماني تبعا لمغلطاي عن القرافي أن قول القائل في دعائه ‏"‏ اللهم اغفر لجميع المسلمين ‏"‏ دعاء بالمحال لأن صاحب الكبيرة قد يدخل النار ودخول النار ينافي الغفران‏.‏

وتعقب بالمنع وأن المنافي للغفران الخلود في النار، وأما الإخراج بالشفاعة أو العفو فهو غفران في الجملة‏.‏

وتعقب أيضا بالمعارضة بقول نوح عليه السلام ‏(‏رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات‏)‏ وقول إبراهيم عليه السلام ‏(‏رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب‏)‏ وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في قوله تعالى ‏(‏واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات‏)‏ ‏.‏

والتحقيق أن السؤال بلفظ التعميم لا يستلزم طلب ذلك لكل فرد بطريق التعيين، فلعل مراد القرافي منع ما يشعر بذلك لا منع أصل الدعاء بذلك‏.‏

ثم أني لا يظهر لي مناسبة ذكر هذه المسألة في هذا الباب، والله أعلم‏.‏